فصل: باب فضل يوم الجمعة وذكر ساعة الإجابة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب انعقاد الجمعة بأربعين وإقامتها في القرى

1 - عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره عن أبيه كعب رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة قال‏:‏ فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة قال‏:‏ لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات قلت‏:‏ كم كنتم يومئذ قال‏:‏ أربعون رجلًا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه وقال فيه‏:‏ ‏(‏كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من مكة‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والبيهقي وصححه قال الحافظ‏:‏ وإسناده حسن اهـ وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هزم النبيت‏)‏ هو بفتح الهاء وسكون الزاي المطمئن من الأرض والنبيت بفتح النون وكسر الباء الموحدة وسكون الياء التحتية وبعدها تاء فوقية‏.‏ قال في القاموس‏:‏ هو أبو حي باليمن اسمه عمرو بن مالك اهـ والمراد به هنا موضع من حرة بني بياضة وهي قرية على ميل من المدينة وبنو بياضة بطن من الأنصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في نقيع‏)‏ هو بالنون ثم القاف ثم الياء التحتية بعدها عين مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخضمات‏)‏ بالخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة موضع معروف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربعون رجلًا‏)‏ استدل به من قال أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه وبه قال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة وعمر بن عبد العزيز‏.‏ وجه الاستدلال بحديث الباب أن الأمة أجمعت على اشتراط العدد والأصل الظهر فلا تصح الجمعة إلا بعدد ثابت بدليل وقد ثبت جوازها بأربعين فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صحيح‏.‏ وثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏ قالوا‏:‏ ولم تثبت صلاته لها بأقل من أربعين وأجيب عن ذلك بأنه لا دلالة في الحديث على اشتراط الأربعين لأن هذه واقعة عين وذلك أن الجمعة فرضت على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو بمكة قبل الهجرة كما أخرجه الطبراني عن ابن عباس فلم يتمكن من إقامتها هنالك من أجل الكفار فلما هاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن يجمعوا فجمعوا واتفق أن عدتهم إذا كانت أربعين وليس فيه ما يدل على أن من دون الأربعين لا تنعقد بهم الجمعة‏.‏ وقد تقرر في الأصول أن وقائع الأعيان لا يحتج بها على العموم‏.‏

وروى عبد بن حميد وعبد الرزاق عن محمد ابن سيرين قال‏:‏ جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقبل أن تنزل الجمعة قالت الأنصار لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل يومًا نجمع فيه فنذكر اللَّه تعالى ونشكره فجعلوه يوم العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا منها فأنزل اللَّه تعالى في ذلك بعد‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة‏}‏ الآية‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ورجاله ثقات إلا أنه مرسل‏.‏ وقولهم لم يثبت أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى الجمعة بأقل من أربعين يرده حديث جابر الآتي في باب انفضاض العدد لتصريحه بأنه لم يبق معه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا اثنا عشر رجلًا‏.‏

وما أخرجه الطبراني عن أبي مسعود الأنصاري قال‏:‏ ‏(‏أول من قدم المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم الجمعة قبل أن يقدم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهم اثنا عشر رجلًا‏)‏ وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف قال الحافظ‏:‏ ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن أسعد كان أميرًا ومصعبًا كان إمامًا وما أخرجه الطبراني أيضًا وابن عدي عن أم عبد اللَّه الدوسية مرفوعًا‏:‏ ‏(‏الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم الإمام‏)‏ وقد ضعفه الطبراني وابن عدي وفيه متروك‏.‏ قال في التلخيص‏:‏ وهو منقطع وأما احتجاجهم بحديث جابر عند الدارقطني والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏في كل أربعين فما فوقها جمعة وأضحى وفطر‏)‏ ففي إسناده بعد تسليم أنه مرفوع عبد العزيز بن عبد الرحمن‏.‏ قال أحمد‏:‏ اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ منكر الحديث‏.‏ وقال ابن حبان ‏[‏في الأصل ‏"‏وكان ابن حبان‏"‏، والصحيح ‏"‏وقال ابن حبان‏"‏ كما هو في النص اعلاه‏.‏ نظام سبعة‏]‏‏:‏ لا يجوز الاحتجاج به‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ هذا الحديث لا يحتج بمثله‏.‏ ومن الغرائب ما استدل به البيهقي على اعتبار الأربعين وهو حديث ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏جمعنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلًا فقال‏:‏ إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم‏.‏ فإن هذه الواقعة قصد فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يجمع أصحابه ليبشرهم فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد‏)‏ قال السيوطي‏:‏ وإيراد البيهقي لهذا الحديث أقوى دليل على أنه لم يجد من الأحاديث ما يدل للمسألة صريحًا اهـ‏.‏

ـ واعلم ـ أن الخلاف في هذه المسألة منتشر جدًا وقد ذكر الحافظ في فتح الباري خمسة عشر مذهبًا فقال‏:‏ وجملة ما للعلماء في ذلك خمسة عشر قولًا‏:‏

أحدها‏:‏ تصح من الواحد نقله ابن حزم قلت‏:‏ وحكاه الدارمي عن القاشاني وصاحب البحر عن الحسن بن صالح‏.‏

الثاني‏:‏ اثنان كالجماعة وهو قول النخعي وأهل الظاهر والحسن بن يحيى‏.‏

الثالث‏:‏ اثنان مع الإمام عند أبي يوسف ومحمد قلت‏:‏ وحكاه في شرح المهذب عن الأوزاعي وأبي ثور وحكاه في البحر عن أبي العباس وتحصيله للهادي والأوزاعي والثوري‏.‏

الرابع‏:‏ ثلاثة معه عند أبي حنيفة قلت‏:‏ وإليه ذهب المؤيد باللَّه وأبو طالب وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي ثور واختاره المزني والسيوطي وحكاه عن الثوري والليث‏.‏

الخامس‏:‏ سبعة حُكِيَ عن عكرمة‏.‏

السادس‏:‏ تسعة عند ربيعة‏.‏

السابع‏:‏ اثنا عشر عنه في رواية قلت‏:‏ وحكاه عنه المتولي والماوردي في الحاوي وحكاه الماوردي أيضًا عن الزهري والأوزاعي ومحمد بن الحسن‏.‏

الثامن‏:‏ مثله غير الإمام عند إسحاق‏.‏

التاسع‏:‏ عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك‏.‏

العاشر‏:‏ ثلاثون في روايته أيضًا عن مالك‏.‏

الحادي عشر‏:‏ أربعون بالإمام عند الشافعي قلت‏:‏ ومعه من قدمنا ذكرهم كما حكى ذلك السيوطي‏.‏

الثاني عشر‏:‏ أربعون غير الإمام روي عن الشافعي وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة‏.‏

الثالث عشر‏:‏ خمسون عند أحمد وفي رواية كليب عن عمر بن عبد العزيز‏.‏

الرابع عشر‏:‏ ثمانون حكاه المازري‏.‏

الخامس عشر‏:‏ جمع كثير بغير قيد قلت‏:‏ حكاه السيوطي عن مالك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل‏.‏

ـ واعلم ـ أنه لا مستند لاشتراط ثمانين أو ثلاثين أو عشرين أو تسعة أو سبعة كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد المنفرد وأما من قال إنها تصح باثنين فاستدل بأن العدد واجب بالحديث والإجماع ورأى أنه لم يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين ولا فرق بينها وبين الجماعة ولم يأت نص من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا وهذا القول هو الراجح عندي وأما الذي قال بثلاثة فرأى العدد واجبًا في الجمعة كالصلاة فشرط العدد في المأمومين المستمعين للخطبة‏.‏

وأما الذي قال بأربعة فمستنده حديث أم عبد اللَّه الدوسية المتقدم وقد تقدم أنه لا ينتهض للاحتجاج به وله طريق أخرى عند الدارقطني وفيها متروكون وله طريق ثالثة عنده أيضًا وفيها متروك‏.‏ قال السيوطي‏:‏ قد حصل من اجتماع هذه الطرق نوع قوة للحديث وفيه أن الطرق التي لا تخلو كل واحدة منها من متروك لا تصلح للاحتجاج وإن كثرت‏.‏ وأما الذي قال باثني عشر فمستنده حديث جابر في الانفضاض وسيأتي وفيه أنه يدل على صحتها بهذا المقدار وأما أنها لا تصح إلا بها فصاعدًا لا بما دونهم فليس في الحديث ما يدل على ذلك‏.‏

وأما من قال باشتراط الخمسين فمستنده ما أخرجه الطبراني في الكبير والدارقطني عن أبي أمامة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ الجمعة على الخمسين رجلًا وليس على ما دون الخمسين جمعة‏)‏ قال السيوطي‏:‏ لكنه ضعيف ومع ضعفه فهو محتمل للتأويل لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة فلا يلزم من عدم وجوبها على ما دون الخمسين عدم صحتها منهم‏.‏

وأما اشتراط جمع كثير من دون تقييد بعدد مخصوص فمستنده أن الجمعة شعار وهو لا يحصل إلا بكثرة تغيظ أعداء المؤمنين وفيه أن كونها شعارًا لا يستلزم أن ينتفي وجوبها بانتفاء العدد الذي يحصل به ذلك على أن الطلب لها من العباد كتابًا وسنة مطلق عن اعتبار الشعار فما الدليل على اعتباره وكتبه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى مصعب بن عمير أن ينظر اليوم الذي يجهر فيه اليهود بالزبور فيجمع النساء والأبناء فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة تقربوا إلى اللَّه تعالى بركعتين كما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس غاية ما فيه أن ذلك سبب أصل المشروعية وليس فيه أنه معتبر في الوجوب فلا يصلح للتمسك به على اعتبار عدد يحصل به الشعار وإلا لزم قصر مشروعية الجمعة على بلد تشارك المسلمين في سكونه اليهود وأنه باطل على أنه يعارض حديث ابن عباس المذكور ما تقدم عن ابن سيرين في بيان السبب في اعتراض الجمعة وليس فيه إلا أنه كان اجتماعهم لذكر اللَّه تعالى وشكره وهو حاصل من القليل والكثير بل من الواحد لولا ما قدمنا من أن الجمعة يعتبر فيها الاجتماع وهو لا يحصل بواحد وأما الاثنان فبانضمام أحدهما إلى الآخر يحصل الاجتماع وقد أطلق الشارع اسم الجماعة عليهما فقال‏:‏ الاثنان فما فوقهما جماعة كما تقدم في أبواب الجماعة وقد انعقدت سائر الصلوات بهما بالإجماع والجمعة صلاة فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها‏.‏ وقد قال عبد الحق‏:‏ إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث وكذلك قال السيوطي‏:‏ لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص‏.‏

2 - وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال‏:‏ ‏(‏أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في مسجد عبد القيس بجوائي من البحرين‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأبو داود‏.‏ وقال‏:‏ بجوائي قرية من قرى البحرين‏.‏

قوله ‏(‏أول جمعة جمعت‏)‏ زاد أبو داود‏:‏ ‏(‏في الإسلام‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏)‏ وقع في رواية ‏(‏بمكة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وهو خطأ بلا مرية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجوائي‏)‏ بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرى البحرين‏)‏ فيه جواز إقامة الجمعة في القرى لأن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن كما استدل بذلك جابر وأبو سعيد في جواز العزل بأنهم فعلوا والقرآن ينزل فلم ينهوا عنه وحكى الجوهري والزمخشري وابن الأثير أن جوائي اسم حصن البحرين‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا لا ينافي كونها قرية‏.‏ وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أنها مدينة وما ثبت في نفس الحديث من كونها قرية أصح مع احتمال أن تكون في أول الأمر قرية ثم صارت مدينة‏.‏ وذهب أبو حنيفة وأصحابه وبه قال زيد بن علي والباقر والمؤيد باللَّه وأسنده ابن أبي شيبة عن علي عليه السلام وحذيفة وغيرهما أن الجمعة لا تقام إلا في المدن دون القرى واحتجوا بما روي عن علي عليه السلام مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع‏)‏ وقد ضعف أحمد رفعه وصحح ابن حزم وقفه وللاجتهاد فيه مسرح فلا ينتهض للاحتجاج به‏.‏ وقد روى ابن أبي شيبة عن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن اجمعوا حيث ما كنتم وهذا يشمل المدن والقرى وصححه ابن خزيمة وروى البيهقي عن الليث بن سعد أن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيها رجال من الصحابة‏.‏ وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعتب عليهم فلما اختلفت الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع‏.‏ ويؤيد عدم اشتراط المصر حديث أم عبد اللَّه الدوسية المتقدم‏.‏ وذهب الهادي إلى اشتراط المسجد قال‏:‏ لأنها لم تقم إلا فيه‏.‏ وقال أبو حنيفة والشافعي والمؤيد باللَّه وسائر العلماء‏:‏ إنه غير شرط قالوا إذ لم يفصل دليلها قال في البحر‏:‏ قلت وهو قوي إن صحت صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بطن الوادي اهـ‏.‏

وقد روى صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بطن الوادي ابن سعد وأهل السير ولو سلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها في المسجد على اشتراطه ‏.‏

 باب التنظيف والتجمل للجمعة وقصدها بسكينة والتبكير والدنو من الإمام

1 - عن ابن سلام رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة‏:‏ ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه وأبو داود‏.‏

2 - وعن أبي سعيد رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث الأول له طرق عند أبي داود‏.‏ منها عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ ومنها عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ قال البخاري‏:‏ وليوسف صحبة وذكر غيره أن له رواية‏.‏ ومنها عن محمد بن يحيى بن حبان عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا‏.‏ وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد اللَّه بن سلام‏.‏ وأخرجه في الموطأ بلاغًا ووصله ابن عبد البر في التمهيد من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة قال في الفتح‏:‏ وفي إسناده نظر‏.‏

ـ والحديث الثاني ـ أخرجه أيضًا أبو داود وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبًا إن وجد‏)‏ قال البخاري‏:‏ قال عمر بن سليم الأنصاري راوي الحديث عن أبي سعيد أما الغسل فأشهد أنه واجب وأما الاستنان والطيب فاللَّه أعلم أواجب أم لا ولكن هكذا في الحديث‏.‏

ـ والحديث الأول ـ يدل على استحباب لبس الثياب الحسنة يوم الجمعة وتخصيصه بملبوس غير ملبوس سائر الأيام‏.‏ وحديث أبي سعيد فيه مشروعية الغسل في يوم الجمعة واللبس من صالح الثياب والتطيب وقد تقدم الكلام على الغسل في أبوابه‏.‏ وأما لبس صالح الثياب والتطيب فلا خلاف في استحباب ذلك وقد ادعى بعضهم الإجماع على عدم وجوب الطيب وجعل ذلك دليلًا على عدم وجوب الغسل‏.‏ وأجيب عن ذلك بأنه قد روي عن أبي هريرة بإسناد صحيح كما قال الحافظ في الفتح أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وبه قال بعض أهل الظاهر وبأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب كما قال ابن الجوزي وقد تقدم بسط الكلام على ذلك في أبواب الغسل‏.‏

3 - وعن سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويتطهر بما استطاع من طهر‏)‏ في رواية الكشميهني‏:‏ ‏(‏من طهره‏)‏ والمراد المبالغة في التنظيف ويؤخذ من عطفه على يغتسل أن إفاضة الماء تكفي في حصول الغسل‏.‏ قال في الفتح‏:‏ المراد بالغسل غسل الجسد وبالتطهر غسل الرأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويدهن‏)‏ المراد به إزالة شعث الشعر به وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يمس من طيب بيته‏)‏ أي إن لم يجد دهنًا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويحتمل أن يكون أو بمعنى الواو وإضافته إلى البيت تؤذن بأن السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبًا ويجعل استعماله له عادة فيدخره في البيت وهذا مبني على أن المراد بالبيت حقيقته لكن في حديث عبد اللَّه ابن عمر عند أبي داود أو يمس من طيب امرأته‏.‏ والمعنى على هذا أن من لم يتخذ لنفسه طيبًا فليستعمل من طيب امرأته‏.‏ وعند مسلم من حديث أبي سعيد بلفظ‏:‏ ‏(‏ولو من طيب المرأة‏)‏ وفيه أن المراد بالبيت في الحديث امرأة الرجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يروح إلى المسجد‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ثم يخرج‏)‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏ثم يمشي وعليه السكينة‏)‏ زاد ابن خزيمة‏:‏ ‏(‏إلى المسجد‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يفرق بين اثنين‏)‏ وفي حديث ابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد‏:‏ ‏(‏ثم لم يتخط رقاب الناس‏)‏ وفي حديث أبي الدرداء‏:‏ ‏(‏ولم يتخط أحدًا ولم يؤذه‏)‏ وفيه كراهة التفريق وتخطي الرقاب وأذية المصلين‏.‏ قال الشافعي‏:‏ أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلى إلا بذلك انتهى‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وهذا يدخل فيه الإمام ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبى السابق من ذلك ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة‏.‏ واستثنى المتولي من الشافعية من يكون معظمًا لدينه وعلمه إذا ألف مكانًا يجلس فيه وهو تخصيص بدون مخصص ويمكن أن يستدل لذلك بحديث‏:‏ ‏(‏ليليني منكم أولو الأحلام والنهى‏)‏ إذا كان المقصود من التخطي هو الوصول إلى الصف الذي يلي الإمام في حق من كان كذلك وكان مالك يقول‏:‏ لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر ولا دليل على ذلك‏.‏ وسيأتي بقية الكلام على التخطي في باب الرجل أحق بمجلسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يصلي ما كتب له‏)‏ في حديث أبي الدرداء‏:‏ ‏(‏ثم يركع ما قضي له‏)‏ وفيه استحباب الصلاة قبل استماع الخطبة وسيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ينصت للإمام إذا تكلم‏)‏ فيه أن من تكلم حال تكلم الإمام لم يحصل له من الأجر ما في الحديث وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏ما بينه وبين الجمعة الأخرى‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ذنوب ما بينه وبين الجمعة الأخرى‏)‏ والمراد بالأخرى التي مضت بينه الليث عن ابن عجلان في روايته عند ابن خزيمة ولفظه‏:‏ ‏(‏غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها‏)‏ ولابن حبان‏:‏ ‏(‏غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها‏)‏ وزاد ابن ماجه عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏ما لم يغش الكبائر‏)‏ ونحو ذلك لمسلم‏.‏

وظاهر الحديث أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما ذكر في الحديث من الغسل والتنظيف والتطيب أو الدهن وترك التفرقة والتخطي والأذية والتنفل والإنصاف وكذلك لبس أحسن الثياب كما وقع في بعض الروايات والمشي بالسكينة كما وقع في أخرى وترك الكبائر كما في رواية أيضًا‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق حديث الباب‏:‏ وفيه دليل على جواز الكلام قبل تكلم الإمام انتهى‏.‏

4 - وعن أبي أيوب رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدًا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني من رواية عبد اللَّه بن كعب بن مالك عن أبي أيوب وأشار إليه الترمذي وقال في مجمع الزوائد‏:‏ رجاله ثقات‏.‏

ـ وفي الباب ـ أحاديث قد تقدم بعضها في أبواب الغسل‏.‏ منها عن أبي بكر عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة كفرت عنه ذنوبه وخطاياه فإذا أخذ في المسير كتب له بكل خطوة عشرون حسنة فإذا انصرف من الصلاة أجيز بعمل مائتي سنة‏)‏ وفي إسناده الضحاك بن حمزة وقد ضعفه ابن معين والنسائي والجمهور وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ وللحديث طريق أخرى عند الطبراني أيضًا‏.‏

وعن أبي ذر عند ابن ماجه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله وتطهر فأحسن طهوره ولبس من أحسن ثيابه ومس ما كتب اللَّه تعالى له من طيب أهله ثم أتى الجمعة ولم يلغ ولم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى‏)‏‏.‏

وعن ابن عمر عند الطبراني في الأوسط‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة ثم مس من أطيب طيبه ولبس من أحسن ثيابه ثم راح ولم يفرق بين اثنين حتى يقوم من مقامه ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته غفر له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام‏)‏‏.‏

وعن ابن عباس عند البزار والطبراني في الأوسط قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من غسل واغتسل يوم الجمعة ثم دنا حيث يسمع خطبة الإمام فإذا خرج استمع وأنصت حتى يصليها معه كتب له بكل خطوة يخطوها عبادة سنة قيامها وصيامها‏)‏‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عند أبي داود‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كانت كفارة له لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا‏)‏‏.‏ وللحديث طريق أخرى عند أحمد في مسنده‏.‏

وعن نبيشة عند أحمد‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدًا فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له وإن وجد الإمام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن يكون له كفارة للجمعة التي تليها‏)‏‏.‏

وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اغتسلوا يوم الجمعة فإنه من اغتسل يوم الجمعة فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده حسن‏.‏ ولأبي أمامة حديث آخر رواه الطبراني أيضًا‏.‏

وعن أبي طلحة عند الطبراني أيضًا في الكبير قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من غسل واغتسل وغدا وابتكر ودنا من الإمام وأنصت ولم يلغ في يوم جمعته كتب اللَّه تعالى له بكل خطوة خطاها إلى المسجد صيام سنة وقيامها‏)‏‏.‏

وعن أبي قتادة عند الطبراني في الأوسط قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى‏)‏‏.‏

وعن أبي هريرة عند أبي يعلى الموصلي قال‏:‏ ‏(‏أوصاني خليلي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بثلاث لا أدعهن أبدًا الوتر قبل النوم وصوم ثلاثة أيام من كل شهر والغسل يوم الجمعة‏)‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله ثقات إلا أنه من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه‏.‏ وفي الباب أحاديث أخر وشرح حديث الباب قد تقدم في الذي قبله‏.‏

5 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنه قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من اغتسل‏)‏ يعم كل من يصح منه الغسل من ذكر وأنثى وحر وعبد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غسل الجنابة‏)‏ بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلًا كغسل الجنابة‏.‏ وفي رواية لعبد الرزاق‏:‏ ‏(‏فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة‏.‏ والحكمة فيه أن يسكن النفس في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه‏.‏ وفيه حمل المرأة أيضًا على الاغتسال كما تقدم في حديث أوس بن أوس في أبواب الغسل‏.‏

قال النووي‏:‏ ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل‏.‏ قال الحافظ‏:‏ قد حكاه ابن قدامة عن الإمام أحمد‏.‏ وقد ثبت أيضًا عن جماعة من التابعين‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح ولعله عنى أنه باطل في المذهب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم راح‏)‏ زاد أصحاب الموطأ عن مالك‏:‏ ‏(‏في الساعة الأولى‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكأنما قرب بدنة‏)‏ أي تصدق بها متقربًا إلى اللَّه تعالى‏.‏ وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلًا ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة وهذا هو الظاهر وقد قيل غير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن راح في الساعة الثانية‏)‏ قد اختلف في الساعة المذكورة في الحديث ما المراد بها فقيل إنها ما يتبادر إلى الذهن من العرف فيها‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وفيه نظر إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف لأن النهار ينتهي في القصر إلى عشر ساعات وفي الطول إلى أربع عشرة ساعة وهذا الإشكال للقفال وأجاب عنه القاضي حسين من أصحاب الشافعي بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر فالنهار اثنتا عشرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وتلك التعديلية‏.‏ وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات‏.‏ وقيل المراد بالساعات بيان مراتب التبكير من أول النهار إلى الزوال وأنها تنقسم إلى خمس‏.‏ وتجاسر الغزالي فقسمها برأيه فقال‏:‏ الأولى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والثانية إلى ارتفاعها والثالثة إلى انبساطها والرابعة إلى أن ترمض الأقدام والخامسة إلى الزوال‏.‏

واعترضه ابن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى وإلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى لأن المراتب متفاوتة جدًا‏.‏ وقيل المراد بالساعات خمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الخطيب على المنبر روي ذلك عن المالكية‏.‏ واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود وقالوا الرواح لا يكون إلا من بعد الزوال وقد أنكر الأزهري على من زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ونقل أن العرب تقول راح في جميع الأوقات بمعنى ذهب قال‏:‏ وهي لغة أهل الحجاز ونقل أبو عبيد في الغريبين نحوه‏.‏ وفيه رد على الزين ابن المنير حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضي في أول النهار بوجه وحيث قال‏:‏ إن استعمال الرواح بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه وقد روى الحديث بلفظ غدا مكان راح‏.‏ وبلفظ المتعجل إلى الجمعة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ومجموع الروايات يدل على أن المراد بالرواح الذهاب وما ذكرته المالكية أقرب إلى الصواب لأن الساعة في لسان الشارع وأهل اللغة الجزء من أجزاء الزمان كما في كتب اللغة ويؤيد ذلك أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ذهب إلى الجمعة قبل طلوع الشمس أو عند انبساطها ولو كانت الساعة هي المعروفة عند أهل الفلك لما ترك الصحابة الذين هم خير القرون وأسرع الناس إلى موجبات الأجور الذهاب إلى الجمعة في الساعة الأولى من أول النهار أو الثانية أو الثالثة فالواجب حمل كلام الشارع على لسان قومه إلا أن يثبت له اصطلاح يخالفهم ولا يجوز حمله على المتعارف في لسان المتشرعة الحادث بعد عصره إلا أنه يعكر على هذا حديث جابر المصرح بأن يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة فإنه تصريح منه باعتبار الساعات الفلكية ويمكن التقصي عنه بأن مجرد جريان ذلك على لسانه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يستلزم أن يكون اصطلاحًا له تجري عليه خطاباته‏.‏ ومما يشكل على اعتبار الساعات الفلكية وحمل كلام الشارع عليها استلزامه صحة صلاة الجمعة قبل الزوال ووجه ذلك أن تقسيم الساعات إلى خمس ثم تعقيبها بخروج الإمام وخروجه عند أول وقت الجمعة يقتضي أنه يخرج في أول الساعة السادسة وهي قبل الزوال‏.‏ وقد أجاب صاحب الفتح عن هذا الإشكال فقال‏:‏ إنه ليس في شيء من طرق الحديث ذكر الإتيان من أول النهار فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره ويكون مبدأ المجيء من أول الثانية فهي أولى بالنسبة إلى المجيء ثانية بالنسبة إلى النهار قال‏:‏ وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال فيرتفع الإشكال وإلى هذا أشار الصيدلاني فقال‏:‏ إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وهو أول الهاجرة قال‏:‏ ويؤيده الحث على التهجير إلى الجمعة ولغيره من الشافعية في ذلك وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن أول التبكير طلوع الشمس والثاني طلوع الفجر قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ذكر الساعة السادسة ثابتًا كما وقع في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه بزيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور وتابعه صفوان بن عيسى عن ابن عجلان أخرجه محمد ابن عبد السلام وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه حميد بن زنجويه في الترغيب له بلفظ ‏(‏فكمهدي البدنة إلى البقرة إلى الشاة إلى الطير إلى العصفور‏)‏ الحديث ونحوه في مرسل طاوس عند سعيد بن منصور ووقع أيضًا في حديث الزهري من رواية عبد الأعلى عن معمر عند النسائي زيادة البطة بين الكبش والدجاجة لكن خالفه عبد الرزاق وهو أثبت منه في معمر وعلى هذا فخروج الإمام يكون عند انتهاء السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دجاجة‏)‏ بالفتح ويجوز الكسر وحكى بعضهم جواز الضم‏.‏

والحديث يدل على مشروعية الاغتسال يوم الجمعة وقد تقدم الكلام عليه وعلى فضيلة التبكير إليها‏.‏ قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وفيه دليل على أن أفضل الهدي الإبل ثم البقر ثم الغنم وقد تمسك به من أجاز الجمعة في الساعة السادسة ومن قال‏:‏ إنه إذا نذر هديًا مطلقًا أجزأه إهداء أي مال كان انتهى ‏.‏

6 - وعن سمرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ احضروا الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث قال المنذري‏:‏ في إسناده انقطاع وهو يدل على مشروعية حضور الخطبة والدنو من الإمام لما تقدم في الأحاديث من الحض على ذلك والترغيب إليه وفيه أن التأخر عن الإمام يوم الجمعة من أسباب التأخر عن دخول الجنة‏.‏ جعلنا اللَّه تعالى من المتقدمين في دخولها‏.‏

 باب فضل يوم الجمعة وذكر ساعة الإجابة وفضل الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيه

1 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة‏)‏‏.‏

رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن أبي لبانة البدري رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند اللَّه تعالى وأعظم عند اللَّه تعالى من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه خمس خلال خلق اللَّه عز وجل فيه آدم عليه السلام وأهبط اللَّه تعالى فيه آدم إلى الأرض وفيه توفى اللَّه تعالى آدم وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئًا إلا آتاه اللَّه تعالى إياه ما لم يسأل حرامًا وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا هن يشفقن من يوم الجمعة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

3 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل اللَّه عز وجل خيرًا إلا أعطاه اللَّه تعالى إياه وقال بيده قلنا يقللها يزهدها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أن الترمذي وأبا داود لم يذكرا القيام ولا يقللها‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا النسائي وأبو داود‏.‏ والحديث الثاني قال العراقي‏:‏ إسناده حسن‏.‏ والحديث الثالث زاد فيه الترمذي وأبو داود أن أبا هريرة قال‏:‏ ‏(‏لقيت عبد اللَّه بن سلام فحدثته هذا الحديث فقال‏:‏ أنا أعلم تلك الساعة فقلت‏:‏ أخبرني بها فقال عبد اللَّه‏:‏ هي آخر ساعة من يوم الجمعة‏)‏ كذا عند أبي داود وعند الترمذي‏:‏ ‏(‏هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير يوم طلعت فيه الشمس‏)‏ فيه أن أفضل الأيام يوم الجمعة وبه جزم ابن العربي ويشكل على ذلك ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد اللَّه بن قرط‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أفضل الأيام عند اللَّه تعالى يوم النحر‏)‏ وسيأتي في آخر أبواب الضحايا ويأتي الجمع بينه وبين ما أخرج أيضًا ابن حبان في صحيحه عن جابر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما من يوم أفضل عند اللَّه تعالى من يوم عرفة‏)‏ هنالك إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

وقد جمع العراقي فقال‏:‏ المراد بتفضيل الجمعة بالنسبة إلى أيام الجمعة وتفضيل يوم عرفة أو يوم النحر بالنسبة إلى أيام السنة وصرح بأن حديث أفضلية يوم الجمعة أصح‏.‏

قال صاحب المفهم‏:‏ صيغة خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها فإذا كانت للمفاضلة فأصلها أخير وأشرر على وزن أفعل وأما إذا لم يكونا للمفاضلة فهما من جملة الأسماء كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن ترك خيرًا‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏ويجعل اللَّه فيه خيرًا كثيرًا‏}‏ قال‏:‏ وهي في حديث الباب للمفاضلة ومعناها في هذا الحديث أن يوم الجمعة أفضل من كل يوم طلعت شمسه‏.‏ وظاهر قوله ‏(‏طلعت عليه الشمس‏)‏ أن يوم الجمعة لا يكون أفضل أيام الجنة ويمكن أن لا يعتبر هذا القيد ويكون يوم الجمعة أفضل أيام الجنة كما أنه أفضل أيام الدنيا لما ورد من أن أهل الجنة يزورون ربهم فيه ويجاب بأنا لا نعلم أنه يسمى في الجنة يوم الجمعة والذي ورد أنهم يزورون ربهم بعد مضي جمعة كما في حديث أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏أخبرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون‏)‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيه خلق آدم‏)‏ فيه دليل على أن آدم لم يخلق في الجنة بل خلق خارجها ثم أدخل إليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها‏)‏ الخ قد اختلفت الأحاديث في تعيين هذه الساعة بحسب ذلك أقوال الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم قال الحافظ في الفتح‏:‏ قد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو قد رفعت وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة‏.‏ وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه وذكر رحمه اللَّه تعالى من الأقوال فيها ما لم يذكره غيره وها أنا أشير إلى بسطه مختصرًا‏.‏

القول الأول‏:‏ إنها قد رفعت‏.‏ حكاه ابن المنذر عن قومه وزيفه وروى عبد الرزاق عن أبي هريرة أنه كذب من قال بذلك‏.‏ وقال صاحب الهدى‏:‏ إن قائله إن أراد أنها صارت مبهمة بعد أن كانت معلومة احتمل وإن أراد حقيقة الرفع فهو مردود‏.‏

الثاني‏:‏ إنها موجودة في جمعة واحدة من السنة روي عن كعب بن مالك‏.‏

الثالث‏:‏ إنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر وقد روى الحاكم وابن خزيمة عن أبي سعيد أنه قال‏:‏ ‏(‏سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عنها فقال‏:‏ قد علمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر‏)‏ وقد مال إلى هذا جمع من العلماء منهم الرافعي وصاحب المغني‏.‏

الرابع‏:‏ إنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينة وجزم به ابن عساكر ورجحه الغزالي والمحب الطبري‏.‏

الخامس‏:‏ إذا أذن المؤذنون لصلاة الغداة روي ذلك عن عائشة‏.‏

السادس‏:‏ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس روى ذلك ابن عساكر عن أبي هريرة‏.‏

السابع‏:‏ مثله وزاد ومن العصر إلى المغرب رواه سعيد بن منصور عن أبي هريرة وفي إسناده ليث بن أبي سليم‏.‏

الثامن‏:‏ مثله وزاد وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر رواه حميد بن زنجويه عن أبي هريرة‏.‏

التاسع‏:‏ إنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجيلي في شرح التنبيه وتبعه المحب الطبري في شرحه‏.‏

العاشر‏:‏ عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في الإحياء وعزاه ابن المنير إلى أبي ذر‏.‏

الحادي عشر‏:‏ إنها آخر الساعة الثالثة من النهار حكاه صاحب المغني وهو في مسند أحمد عن أبي هريرة موقوفًا بلفظ‏:‏ ‏(‏وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا اللَّه تعالى بها استجيب له‏)‏ وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف‏.‏

الثاني عشر‏:‏ من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع‏.‏ حكاه المحب الطبري والمنذري‏.‏

الثالث عشر‏:‏ مثله لكن زاد إلى أن يصير الظل نصف ذراع حكاه عياض والقرطبي والنووي‏.‏

الرابع عشر‏:‏ بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع‏.‏ رواه ابن المنذر وابن عبد البر عن أبي ذر‏.‏

الخامس عشر‏:‏ إذا زالت الشمس‏.‏ حكاه ابن المنذر عن أبي العالية وروى نحوه عن علي وعبد اللَّه بن نوفل وروى ابن عساكر عن قتادة أنه قال‏:‏ كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس‏.‏

السادس عشر‏:‏ إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة‏.‏ رواه ابن المنذر عن عائشة‏.‏

السابع عشر‏:‏ من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة‏.‏ ذكره ابن المنذر عن أبي السوار العدوي‏.‏

الثامن عشر‏:‏ من الزوال إلى خروج الإمام‏.‏ حكاه أبو الطيب الطبري‏.‏

التاسع عشر‏:‏ من الزوال إلى غروب الشمس‏.‏ حكاه أبو العباس أحمد بن علي الأزماري بسكون الزاي وقبل ياء النسبة راء مهملة ونقله ابن الملقن‏.‏

العشرون‏:‏ ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه ابن المنذر عن الحسن ورواه المروزي عن الشعبي‏.‏

الحادي والعشرون‏:‏ عند خروج الإمام‏.‏ رواه حميد ابن زنجويه عن الحسن‏.‏

الثاني والعشرون‏:‏ ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة‏.‏ رواه ابن جرير عن الشعبي وروي عن أبي موسى وابن عمر‏.‏

الثالث والعشرون‏:‏ ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل‏.‏ رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي‏.‏

الرابع والعشرون‏:‏ ما بين الآذان إلى انقضاء الصلاة رواه حميد بن زنجويه عن ابن عباس‏.‏

الخامس والعشرون‏:‏ ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة‏.‏ رواه مسلم وأبو داود عن أبي موسى وسيأتي وهذا يمكن أن يتحد مع الذي قبله‏.‏

السادس والعشرون‏:‏ عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإقامة‏.‏ رواه حميد بن زنجويه عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي‏.‏

السابع والعشرون‏:‏ مثله لكن قال إذا أذن وإذا رقى المنبر وإذا أقيمت الصلاة‏.‏ رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي‏.‏

الثامن والعشرون‏:‏ من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغها رواه ابن عبد البر عن ابن عمر مرفوعًا بإسناد ضعيف‏.‏

التاسع والعشرون‏:‏ إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة حكاه الغزالي‏.‏

الثلاثون‏:‏ عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي عن بعض شراح المصابيح‏.‏

الحادي والثلاثون‏:‏ عند نزول الإمام من المنبر رواه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن أبي بردة‏.‏

الثاني والثلاثون‏:‏ حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه حكاه ابن المنذر عن الحسن‏.‏ وروى الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه بإسناد ضعيف‏.‏

الثالث والثلاثون‏:‏ من إقامة الصلاة إلى تمام الصلاة أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف وفيه‏:‏ ‏(‏قالوا‏:‏ أية ساعة يا رسول اللَّه قال‏:‏ حين تقام الصلاة إلى الانصراف‏)‏ وسيأتي وإليه ذهب ابن سيرين رواه عنه ابن جرير وسعيد بن منصور‏.‏

الرابع والثلاثون‏:‏ هي الساعة التي كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي فيها الجمعة‏.‏ رواه ابن عساكر عن ابن سيرين‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذلك وتقييد هذا‏.‏

الخامس والثلاثون‏:‏ من صلاة العصر إلى غروب الشمس ويدل على ذلك حديث ابن عباس عند ابن جرير وحديث أبي سعيد عنده بلفظ‏:‏ ‏(‏فالتمسوها بعد العصر‏)‏ وذكر ابن عبد البر أن قوله ‏(‏فالتمسوها‏)‏ إلى آخره مدرج ورواه الترمذي عن أنس مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏بعد العصر إلى غيبوبة الشمس‏)‏ وإسناده ضعيف‏.‏

السادس والثلاثون‏:‏ في صلاة العصر رواه عبد الرزاق عن يحيى بن إسحاق ابن أبي طلحة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا‏.‏

السابع والثلاثون‏:‏ بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي في الإحياء‏.‏

الثامن والثلاثون‏:‏ بعد العصر مطلقًا رواه أحمد وابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏وهي بعد العصر‏)‏ ورواه ابن المنذر عن مجاهد مثله قال‏:‏ وسمعته عن الحكم عن ابن عباس ورواه أبو بكر المروزي عن أبي هريرة ورواه عبد الرزاق عن طاوس‏.‏

التاسع والثلاثون‏:‏ من وسط النهار إلى قرب آخر النهار روي ذلك عن أبي سلمة ابن علقمة‏.‏

الأربعون‏:‏ من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب رواه عبد الرزاق عن طاوس‏.‏

الحادي والأربعون‏:‏ آخر ساعة بعد العصر ويدل على ذلك حديث جابر الآتي ورواه مالك وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان عن عبد اللَّه بن سلام من قوله وروى ابن جرير عن أبي هريرة مرفوعًا مثله‏.‏

الثاني والأربعون‏:‏ من حين يغرب قرص الشمس أو من حين يدلى قرص الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها رواه الطبراني والدارقطني والبيهقي من طريق زيد بن علي عن مرجانة مولاة فاطمة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ حدثتني فاطمة عن أبيها صلى اللَّه عليه وآله وسلم وفيه أية ساعة هي قال إذا تدلى نصف الشمس للغروب وكانت فاطمة رضي اللَّه عنها إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلامًا لها يقال له زيد ينظر لها الشمس فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده اختلاف على زيد بن علي وفي بعض رواته من لا يعرف حاله‏.‏ وأخرجه أيضًا إسحاق بن راهويه ولم يذكر مرجانة‏.‏

الثالث والأربعون‏:‏ إنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في الجمعة إلى أن يقول آمين قاله الجزري في كتابه المسمى الحصن الحصين في الأدعية ورجحه وفيه أنه يفوت على الداعي الإنصات لقراءة الإمام كما قال الحافظ قال‏:‏ وهذه الأقوال ليست كلها متغايرة من كل وجه بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره‏.‏ قال المحب الطبري‏:‏ أصح الأحاديث في تعيين الساعة حديث أبي موسى وسيأتي وقد صرح مسلم بمثل ذلك‏.‏ وقال بذلك البيهقي وابن العربي وجماعة والقرطبي والنووي وذهب آخرون إلى ترجيح حديث عبد اللَّه بن سلام حكى ذلك الترمذي عن أحمد أنه قال‏:‏ أكثر الأحاديث على ذلك‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ إنه أثبت شيء في هذا الباب ويؤيده ما سيأتي عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن من أن ناسًا من الصحابة أجمعوا على ذلك ورجحه أحمد وإسحاق وجماعة من المتأخرين‏.‏

ـ والحاصل ـ أن حديث أبي هريرة المتقدم ظاهره يخالف الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر لأن الصلاة بعد العصر منهي عنها وقد ذكر فيه ‏(‏لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي‏)‏ وقد أجاب عنه عبد اللَّه بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة وروى ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما سيأتي ولكنه يشكل على ذلك قوله قائم وقد أجاب عنه القاضي عياض بأنه ليس المراد القيام الحقيقي وإنما المراد به الاهتمام بالأمر كقولهم فلان قام في الأمر الفلاني ومنه قوله تعالى ‏{‏إلا ما دمت عليه قائمًا‏}‏ وليس بين حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى الآتي تعارض ولا اختلاف وإنما الاختلاف بين حديث أبي موسى وبين الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أو آخر ساعة من اليوم وسيأتي‏.‏ فأما الجمع فإنما يمكن بأن يصار إلى القول بأنها تنتقل فيحمل حديث أبي موسى على أنه أخبر فيه عن جمعة خاصة وتحمل الأحاديث الأخر على جمعة أخرى فإن قيل بتنقلها فذاك وإن قيل بأنها في وقت واحد لا تنتقل فيصار حينئذ إلى الترجيح ولا شك أن الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أرجح لكثرتها واتصالها بالسماع وأنه لم يختلف في رفعها والاعتضاد بكونه قول أكثر الصحابة ففيها أربعة مرجحات‏.‏ وفي حديث أبي موسى مرجح واحد وهو كونه في أحد الصحيحين دون بقية الأحاديث ولكن عارض كونه في أحد الصحيحين أمران وسيأتي ذكرهما في شرحه‏.‏ وسلك صاحب الهدى مسلكًا آخر واختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى اللَّه عليه وآله وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر وهذا كقول ابن عبد البر‏:‏ إنه ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين وسبق إلى تجويز ذلك الإمام أحمد‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة والليلة القدر بعث الدواعي على الإكثار من الصلاة والدعاء ولو وقع البيان لها لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها فالعجب بعد ذلك ممن يتكل في طلب تحديدها‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ يحسن جمع الأقوال فتكون ساعة الإجابة واحدة منها لا بعينها فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها‏.‏

4 - وعن أبي موسى رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول في ساعة الجمعة‏:‏ هي ما بين أن يجلس الإمام يعني على المنبر إلى أن يقضي الصلاة‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود‏.‏

5 - وعن عمرو بن عوف المزني رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن في الجمعة ساعة لا يسأل اللَّه تعالى العبد فيها شيئًا إلا أتاه إياه قالوا‏:‏ يا رسول اللَّه أية ساعة هي قال‏:‏ حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي‏.‏

الحديث الأول مع كونه في صحيح مسلم قد أعل بالانقطاع والاضطراب‏.‏ أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير رواه عن أبيه بكير بن عبد اللَّه بن الأشج وهو لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه‏.‏ وقال سعيد بن أبي مريم‏:‏ ‏(‏سمعت خالي موسى بن سلمة قال‏:‏ أتيت مخرمة بن بكير فسألته أن يحدثني عن أبيه فقال‏:‏ ما سمعت من أبي شيئًا إنما هذه كتب وجدناها عندنا عنه ما أدركت أبي إلا وأنا غلام‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لم أسمع من أبي وهذه كتبه‏)‏ وقال علي ابن المديني‏:‏ سمعت معنا يقول مخرمة سمع من أبيه قال‏:‏ ولم أجد أحدًا بالمدينة يخبر عن مخرمة أنه كان يقول في شيء سمعت أبي‏.‏ قال علي‏:‏ ومخرمة ثقة‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ يخبر عن مخرمة مخرمة ضعيف الحديث ليس حديثه بشيء‏.‏

قال في الفتح‏:‏ ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا لأنا نقول وجود التصريح من مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع انتهى‏.‏

أما الاضطراب فقال العراقي‏:‏ إن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة مقطوعًا وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم فقال‏:‏ لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة قال‏:‏ ورواه حماد عن أبي بردة من قوله ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه قال‏:‏ والصواب أنه من قول أبي بردة وتابعه وأصل الأحدب ومجالد روياه عن أبي بردة من قوله‏.‏ وقال النعمان بن عبد السلام‏:‏ عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه انتهى كلام الدارقطني‏.‏

وأجاب النووي في شرح مسلم عن ذلك بقوله‏:‏ وهذا الذي استدركه بناء على القاعدة المعروفة له ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة قال‏:‏ والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة انتهى‏.‏

والحديث الثاني المذكور في الباب حسنه الترمذي وفي إسناده كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف وقد اتفق أئمة الجرح والتعديل على ضعفه والترمذي قد شرط في حد الحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب وكثير هنا قال فيه الشافعي وأبو داود‏:‏ إنه ركن من أركان الكذب وقد حسن له الترمذي مع هذا عدة أحاديث وصحح له حديث‏:‏ ‏(‏الصلح جائز بين السلمين‏)‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي‏.‏

قال العراقي‏:‏ لا يقبل هذا الطعن منه في حق الترمذي وإنما جهل الترمذي من لا يعرفه كابن حزم وإلا فهو إمام معتمد عليه ولا يمتنع أن يخالف اجتهاده اجتهاد غيره في بعض الرجال وكأنه رأى ما رآه البخاري فإنه روي عنه أنه قال في حديث كثير عن أبيه عن جده في تكبير العيدين‏:‏ إنه حديث حسن‏.‏ ولعله إنما حكم عليه بالحسن باعتبار الشواهد فإنه بمعنى حديث أبي موسى المذكور في الباب فارتفع بوجود حديث شاهد له إلى درجة الحسن‏.‏

وقد رواه البيهقي ورواه أيضًا ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة من قوله وإسناده قوي‏.‏

والحديثان يدلان على أن ساعة الإجابة هي وقت صلاة الجمعة من عند صعود الإمام المنبر أو من عند الإقامة إلى الانصراف منها وقد تقدم أن الأحاديث المصرحة بأنها بعد العصر أرجح وسيأتي ذكرها‏.‏

6 - وعن عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قلت ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جالس إنا لنجد في كتاب اللَّه تعالى في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل اللَّه عز وجل فيها شيئًا إلا قضى له حاجته قال عبد اللَّه‏:‏ فأشار إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أو بعض ساعة فقلت‏:‏ صدقت أو بعض ساعة قلت‏:‏ أيِّ ساعة هي قال‏:‏ آخر ساعة من ساعات النهار قلت‏:‏ إنها ليست ساعة صلاة قال‏:‏ بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

7 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل اللَّه عز وجل فيها خيرًا إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

8 - وعن جابر رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل اللَّه تعالى شيئًا إلا آتاه إياه والتمسوها آخر ساعة بعد العصر‏)‏‏.‏

رواه النسائي وأبو داود‏.‏

9 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن ناسًا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم اجتمعوا فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة‏)‏‏.‏

رواه سعيد في سننه‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ أكثر الأحاديث في الساعة التي يرجى فيها إجابة الدعاء أنها بعد صلاة العصر ويرجى بعد زوال الشمس‏)‏‏.‏

الحديث الأول رفعه ابن ماجه كما ذكر المصنف وهو من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد اللَّه بن سلام قال‏:‏ ‏(‏قلت ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جالس‏)‏ الحديث‏.‏ ورواه مالك وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد اللَّه بن سلام من قوله‏.‏

والحديث الثاني رواه أيضًا البزار عنهما بإسناد قال العراقي‏:‏ صحيح وقال في مجمع الزوائد‏:‏ ورجالهما رجال الصحيح‏.‏

والحديث الثالث أخرجه الحاكم في مستدركه وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم وحسن الحافظ في الفتح إسناده‏.‏

والأثر الذي رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جماعة من الصحابة قال الحافظ في الفتح‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أنس عند الترمذي‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس‏)‏ وفي إسناده محمد بن أبي حميد وهو ضعيف وقد تابعه ابن لهيعة كما رواه الطبراني في الأوسط‏.‏

وعن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد تقدم أول الباب‏.‏ وعن أبي ذر عند ابن عبد البر في التمهيد وابن المنذر وعن سلمان أشار إليه الترمذي‏.‏

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن الساعة التي تقدم الخلاف في تعيينها هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد تقدم بسط الخلاف في ذلك وبيان الجمع بين بعض الأحاديث والترجيح بين بعض آخر‏.‏

والقول بأنها آخر ساعة من اليوم هو أرجح الأقوال وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة ولا يعارض ذلك الأحاديث الواردة بأنها بعد العصر بدون تعيين آخر ساعة لأنها تحمل على الأحاديث المقيدة بأنها آخر ساعة وحمل المطلق على المقيد متعين كما تقرر في الأصول‏.‏ وأما الأحاديث المصرحة بأنها وقت الصلاة فقد عرفت أنها مرجوحة ويبقى الكلام في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أحمد وابن خزيمة والحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عنها فقال‏:‏ قد علمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر‏)‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏ ويجاب عنه بأن نسيانه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لها لا يقدح في الأحاديث الصحيحة الواردة بتعيينها لاحتماله أنه سمع منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم التعيين قبل النسيان كما قال البيهقي وقد بلغنا صلى اللَّه عليه وآله وسلم تعيين وقتها فلا يكون إنساؤه ناسخًا للتعيين المتقدم‏.‏

10 - وعن أوس بن أوس رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ قالوا‏:‏ يا رسول اللَّه وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت يعني وقد بليت فقال‏:‏ إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

11 - وعن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحدًا لن يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

12 - وعن خالد بن معدان رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أكثروا الصلاة عليَّ في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة‏)‏‏.‏

رواه سعيد في سننه‏.‏

13 - وعن صفوان بن سليم رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة عليَّ‏)‏‏.‏

رواه الشافعي في مسنده وهذا والذي قبله مرسلان‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال‏:‏ صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه حديث منكر لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو منكر الحديث‏.‏ وذكر البخاري في تاريخه أنه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ إن الحديث لم يثبت‏.‏

والحديث الثاني قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا لأن في إسناده زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء‏.‏ قال البخاري‏:‏ زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي مرسل‏.‏

والحديث الثالث والرابع مرسلان كما قال المصنف لأن خالد بن معدان وصفوان بن سليم لم يدركا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن شداد بن أوس عند ابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن أفضل أيامكم يوم الجمعة‏)‏ بنحو حديث أوس بن أوس هكذا وقع عند ابن ماجه في الصلاة ووقع عنده في الجنائز أوس بن أوس وهو الصواب‏.‏ وعن أبي مسعود الأنصاري عند البيهقي في كتاب حياة الأنبياء في قبورهم عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإنه ليس يصلي عليَّ أحد يوم الجمعة إلا عرضت عليَّ صلاته‏)‏ قال البيهقي‏:‏ قال أبو عبد اللَّه يعني الحاكم أبو رافع هذا يعني المذكور في السند هو إسماعيل بن نافع‏.‏ قال العراقي‏:‏ وثقه البخاري وضعفه النسائي ورواه البيهقي أيضًا في شعب الإيمان وابن أبي عاصم من هذا الوجه‏.‏

وأخرج البيهقي في السنن أيضًا حديثًا آخر بلفظ‏:‏ ‏(‏أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى عليَّ صلاة صلى اللَّه تعالى عليه عشرًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد أرمت‏)‏ بهمزة مفتوحة وراء مكسورة وميم ساكنة بعدها تاء المخاطب المفتوحة والأحاديث فيها مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم الجمعة وأنها تعرض عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأنه حي في قبره‏.‏

وقد أخرج ابن ماجه بإسناد جيد‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لأبي الدرداء‏:‏ إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء‏)‏‏.‏

وفي رواية للطبراني‏:‏ ‏(‏ليس من عبد يصلي عليَّ إلا بلغني صلاته قلنا‏:‏ وبعد وفاتك قال‏:‏ وبعد وفاتي إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء‏)‏‏.‏

وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حي بعد وفاته وأنه يُسَرُّ بطاعات أمته وأن الأنبياء لا يبلون مع أن مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى‏.‏

وقد صح عن ابن عباس مرفوعًا‏:‏ ‏(‏ما من أحد يمر على قبر أخيه المؤمن‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه‏)‏ ولابن أبي الدنيا‏:‏ ‏(‏إذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه رد عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر لا يعرفه رد عليه السلام‏)‏ وصح أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويسلم عليهم‏.‏

وورد النص في كتاب اللَّه في حق الشهداء أنهم أحياء يرزقون وأن الحياة فيهم متعلقة بالجسد فكيف بالأنبياء والمرسلين‏.‏ وقد ثبت في الحديث‏:‏ ‏(‏أن الأنبياء أحياء في قبورهم‏)‏ رواه المنذري وصححه البيهقي‏.‏

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره‏)‏ ‏.‏

 باب الرجل أحق بمجلسه وآداب الجلوس والنهي عن التخطي إلا لحاجة

1 - عن جابر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يقيم أحدكم يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده ولكن ليقل افسحوا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2 - وعن ابن عمر رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - ولأحمد ومسلم‏:‏ ‏(‏كان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه‏)‏‏.‏

4 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

5 - وعن وهب بن حذيفة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الرجل أحق بمجلسه وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يقيم‏)‏ بصيغة الخبر والمراد النهي‏.‏ وفي لفظ لمسلم‏:‏ ‏(‏لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه‏)‏ بصيغة النهي المؤكد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم الجمعة‏)‏ فيه التقييد بيوم الجمعة وفي لفظ من طريق أبي الزبير عن جابر‏:‏ ‏(‏لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه‏)‏ وقد بوب لذلك البخاري فقال باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه‏.‏ وذكر يوم الجمعة في حديث جابر من باب التنصيص على بعض أفراد العام لا من باب التقييد للأحاديث المطلقة ولا من باب التخصيص للعمومات فمن سبق إلى موضع مباح سواء كان مسجدًا أو غيره في يوم جمعة أو غيرها لصلاة أو لغيرها من الطاعات فهو أحق به ويحرم على غيره إقامته منه والقعود فيه إلا أنه استثني من ذلك الموضع الذي قد سبق لغيره فيه حق كأن يقعد رجل في موضع ثم يقوم منه لقضاء حاجة من الحاجات ثم يعود إليه فإنه أحق به ممن قعد فيه بعد قيامه لحديث أبي هريرة وحديث وهب بن حذيفة المذكورين في الباب وظاهرهما عدم الفرق بين المسجد وغيره ويجوز له إقامة من قعد فيه‏.‏

وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والهادوية‏.‏ ومثل ذلك الأماكن التي يقعد الناس فيها لتجارة أو نحوها فإن المعتاد للقعود في مكان يكون أحق به من غيره إلا إذا طالت مفارقته له بحيث ينقطع معاملوه ذكره النووي في شرح مسلم‏.‏ وقال في الغيث‏:‏ يكون أحق به إلى العشي‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ يكون أحق به ما لم يضرب‏.‏ وقال أصحاب الشافعي‏:‏ إن ذلك على وجه الندب لا على وجه الوجوب وإليه ذهب مالك‏.‏

قال أصحاب الشافعي‏:‏ ولا فرق في المسجد بين من قام وترك له سجادة فيه ونحوها وبين من لم يترك قالوا وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها‏.‏

وظاهر الحديثين عدم الفرق وظاهر حديث جابر وحديث ابن عمر أنه يجوز للرجل أن يقعد في مكان غيره إذا أقعده برضاه ولعل امتناع ابن عمر عن الجلوس في مجلس من قام له برضاه كان تورعًا منه لأنه ربما استحيا منه إنسان فقام له بدون طيبة من نفسه ولكن الظاهر أن من فعل ذلك قد أسقط حق نفسه وتجويز عدم طيبة نفسه بذلك خلاف الظاهر ويكره الإيثار بمحل الفضيلة كالقيام من الصف الأول إلى الثاني لأن الإيثار وسلوك طرائق الآداب لا يليق أن يكون في العبادات والفضائل بل المعهود أنه في حظوظ النفس وأمور الدنيا فمن آثر بحظه في أمر من أمور الآخرة فهو من الزاهدين في الثواب‏.‏

6 - وعن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود عن هناد عن عبيدة بن سليمان وفي إسناده محمد ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن‏.‏

وقد أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه معنعنًا وأما ابن العربي فمال إلى ضعف الحديث لذلك‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن سمرة عند البزار والطبراني في الكبير قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول إلى مكان صاحبه ويتحول صاحبه إلى مكانه وهو من رواية إسماعيل ابن مسلم عن الحسن عن سمرة‏.‏ قال البزار‏:‏ إسماعيل لا يتابع على حديثه انتهى‏.‏

وفي سماع الحسن من سمرة خلاف قد تقدم ذكره وللحديث طريق أخرى عند البزار وفيها خالد بن يوسف السمتي وهو ضعيف وفيها أيضًا أبو يوسف بن خالد وهو هالك وبقية السند مجهولون كما قال ابن القطان‏.‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ وبكل حال هذا إسناد مظلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا نعس أحدكم يوم الجمعة‏)‏ لم يرد بذلك جميع اليوم بل المراد به إذا كان في المسجد ينتظر صلاة الجمعة كما في رواية أحمد في مسنده بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة‏)‏ وسواء فيه حال الخطبة أو قبلها لكن حال الخطبة أكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم الجمعة‏)‏ يحتمل أنه خرج مخرج الأغلب لطول مكث الناس في المسجد للتبكير إلى الجمعة ولسماع الخطبة وأن المراد انتظار الصلاة في المسجد في الجمعة وغيرها كما في رواية أبي هريرة لحديث الباب بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول عن مجلسه ذلك إلى غيره‏)‏ فيكون ذكر يوم الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام ويحتمل أن المراد يوم الجمعة فقط للاعتناء بسماع الخطبة فيه‏.‏

ـ والحكمة ـ في الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه وإن كان النائم لا حرج عليه فقد أمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في قصة نومهم عن صلاة الصبح في الوادي بالانتقال منه كما تقدم وأيضًا من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة والنعاس في الصلاة من الشيطان فربما كان الأمر بالتحول لإذهاب ما هو منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر أو سماع الخطبة أو ما فيه منفعة‏.‏

7 - وعن معاذ بن أنس الجهني رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

8 - وعن يعلى بن شداد بن أوس رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏شهدت مع معاوية فتح بيت المقدس فجمع بنا فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث معاذ بن أنس هو من رواية ابنه سهل بن معاذ وقد ضعفه يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد وفي إسناده أيضًا أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون مولى بني ليث ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ لا يحتج به‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عبد اللَّه بن عمر وعند ابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة يعني والإمام يخطب‏)‏ وفي إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة عن شيخه عبد اللَّه بن واقد قال العراقي‏:‏ لعله من شيوخه المجهولين وعن جابر عند ابن عدي في الكامل‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب‏)‏ وفي إسناده عبد اللَّه بن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث كما قال البخاري‏.‏

والأثر الذي رواه يعلى بن شداد عن الصحابة سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده سليمان بن عبد اللَّه بن الزبرقان وفيه لين وقد وثقه ابن حبان قال أبو داود‏:‏ وكان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة ابن صوحان وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ومكحول وإسماعيل بن محمد بن سعد ونعيم بن سلامة قال‏:‏ لا بأس بها قال أبو داود‏:‏ لم يبلغني أن أحدًا كرهها إلا عبادة بن نسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحبوة‏)‏ هي أن يقيم الجالس ركبتيه ويقيم رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشد عليهما ويكون إليتاه على الأرض وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب يقال احتبى احتباء والاسم الحبوة بالضم والكسر معًا والجمع حُبى وحٍبى بالضم والكسر‏.‏

قال الخطابي‏:‏ وإنما نهى عن الاحتباء في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض‏.‏

وقد ورد النهي عن الاحتباء مطلقًا غير مقيد بحال الخطبة ولا بيوم الجمعة لأنه مظنة لانكشاف عورة من كان عليه ثوب واحد‏.‏

ـ وقد اختلف العلماء ـ في كراهية الاحتباء يوم الجمعة فقال بالكراهة قوم من أهل العلم كما قال الترمذي منهم عبادة بن نسي المتقدم‏.‏

قال العراقي‏:‏ وورد عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون أن يحتبوا والإمام يخطب يوم الجمعة‏.‏ رواه ابن أبي شيبة في المصنف قال‏:‏ ولكنه قد اختلف عن الثلاثة فنقل عنهم القول بالكراهة ونقل عنهم عدمها واستدلوا بحديث الباب وما ذكرناه في معناه وهي تقوي بعضها بعضًا‏.‏

وذهب أكثر أهل العلم كما قال العراقي إلى عدم الكراهة منهم من تقدم ذكره في رواية أبي داود‏.‏ ورواه ابن أبي شيبة عن سالم بن عبد اللَّه والقاسم بن محمد وعطاء وابن سيرين والحسن وعمرو بن دينار وأبي الزبير وعكرمة بن خالد المخزومي‏.‏

ورواه الترمذي عن ابن عمر وغيره قال‏:‏ وبه يقول أحمد وإسحاق وأجابوا عن أحاديث الباب أنها كلها ضعيفة وإن كان الترمذي قد حسن حديث معاذ ابن أنس وسكت عنه أبو داود قال فيه من تقدم ذكره‏.‏

9 - وعن عبد اللَّه بن بسر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اجلس فقد آذيت‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي وأحمد وزاد‏:‏ ‏(‏وآنيت‏)‏‏.‏

10 - وعن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

11 - وعن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏صليت وراء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعًا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال‏:‏ ذكرت شيئًا من تبر كان عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي‏.‏

حديث عبد اللَّه بن بسر سكت عنه أبو داود والمنذري وصححه ابن خزيمة وغيره وهو من رواية أبي الزاهرية وقد أخرج له مسلم‏.‏ وحديث أرقم أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير وفي إسناده هشام بن زياد ضعفه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم وقد اضطرب فيه فرواه مرة عن عثمان بن الأرقم عن أبيه ومرة عن عمار بن سعد عن عثمان بن الأزرق كما سيأتي‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن معاذ بن أنس عند الترمذي وابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرًا إلى جهنم‏)‏ وهو من رواية سهل بن معاذ عن أبيه وقد تقدم الكلام على سهل في شرح الحديث الذي قبل هذه الأحاديث‏.‏ وفيه أيضًا رشدين بن سعد وفيه مقال‏.‏

وعن جابر عند ابن ماجه‏:‏ ‏(‏أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فجعل يتخطى رقاب الناس فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اجلس فقد آذيت وآنيت‏)‏ وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وقد رواه بأطول من هذا ابن أبي شيبة في المصنف‏.‏

وعن عثمان بن الأزرق عند الطبراني في الكبير بنحو حديث أرقم المذكور في الباب وفي إسناده هشام بن زياد وقد تقدم أنه ضعيف‏.‏

وعن أبي الدرداء عند الطبراني في الأوسط قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة‏)‏ قال الطبراني‏:‏ تفرد به أرطأة انتهى‏.‏ وفي إسناده أيضًا عبد اللَّه بن زريق قال الأزدي‏:‏ لم يصح حديثه‏.‏

وعن أنس عند الطبراني في الصغير والأوسط‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لرجل‏:‏ قد رأيتك تتخطى رقاب الناس وتؤذيهم من آذى مسلمًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللَّه عز وجل‏)‏ وفي إسناده موسى بن خلف العجلي والقاسم بن مطيب العجلي ضعفهما ابن حبان واختلف قول ابن معين في موسى فقال مرة‏:‏ ضعيف‏.‏ ومرة‏:‏ ليس به بأس‏.‏ وفي الباب أحاديث غير هذه قد تقدم بعضها في باب التنظيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتخطى رقاب الناس‏)‏ قد فرق النووي بين التخطي والتفريق بين الاثنين وجعل ابن قدامة في المغني التخطي هو التفريق‏.‏

قال العراقي‏:‏ والظاهر الأول لأن التفريق يحصل بالجلوس بينهما وإن لم يتخط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وآنيت‏)‏ بهمزة ممدودة أي أبطأت وتأخرت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قصبه في النار‏)‏ بضم القاف وسكون الصاد المهملة واحد الأقصاب وهي المعى كما في القاموس وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ففزع الناس‏)‏ أي خافوا وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه ما لا يعهدون خشية أن ينزل فيهم شيء يسوءهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من تبر‏)‏ بكسر التاء المثناة وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكرهت أن يحبسني‏)‏ أي يشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على اللَّه تعالى كذا قال الحافظ وفهم منه ابن بطال معنى آخر فقال فيه‏:‏ إن المعنى أن تأخير الصدقة يحبس صاحبها يوم القيامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمرت بقسمته‏)‏ في رواية فقسمته‏.‏

ـ وأحاديث ـ الباب تدل على كراهة التخطي يوم الجمعة وظاهر التقييد بيوم الجمعة أن الكراهة مختصة به ويحتمل أن يكون التقييد خرج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بكثرة الناس بخلاف سائر الصلوات فلا يختص ذلك بالجمعة بل يكون حكم سائر الصلوات حكمها ويؤيد ذلك التعليل بالأذية وظاهر هذا التعليل أن ذلك يجري في مجالس العلم وغيرها ويؤيده أيضًا ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من تخطى حلق قوم بغير إذنهم فهو عاص‏)‏ ولكن في إسناده جعفر بن الزبير وقد كذبه شعبة وتركه الناس وقد اختلف أهل العلم في حكم التخطي يوم الجمعة فقال الترمذي حاكيًا من أهل العلم أنهم كرهوا تخطي الرقاب يوم الجمعة وشددوا في ذلك وحكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم وقال النووي في زوائد الروضة‏:‏ إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط وروى العراقي عن كعب الأحبار أنه قال‏:‏ لأن أدع الجمعة أحب إلي من أن أتخطى الرقاب‏.‏

وقال ابن المسيب‏:‏ لأن أصلي الجمعة بالحرة أحب إلي من التخطي‏.‏ وروي عن أبي هريرة نحوه ولا يصح عنه لأنه من رواية صالح مولى التوءمة عنه‏.‏ قال العراقي‏:‏ وقد استثني من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي وهكذا أطلق النووي في الروضة وقيد ذلك في شرح المهذب فقال‏:‏ إذا لم يجد طريقًا إلى المنبر أو المحراب إلا بالتخطي لم يكره لأنه ضرورة‏.‏ وروي نحو ذلك عن الشافعي وحديث عقبة بن الحارث المذكور في الباب يدل على جواز التخطي للحاجة في غير الجمعة فمن خصص الكراهة بصلاة الجمعة فلا معارضة بينه وبين أحاديث الباب عنده ومن عمم الكراهة لوجود العلة المذكورة سابقًا في الجمعة وغيرها فهو محتاج إلى الاعتذار عنه وقد خص الكراهة بعضهم بغير من يتبرك الناس بمروره ويسرهم ذلك ولا يتأذون لزوال علة الكراهة التي هي التأذي‏.‏